جورجيا التي لا نعرفها

ميدان الابطال Heroes Square في تبليسي و قصة شعلة النار التي لا تنطفئ

جــــورجيــــــــا .. التي لا نعرفها | أبطال القوقاز (4)

ميدان الابطال Heroes Square في تبليسي أو ما نسميه (هيروز ميداني) ، في يوم الذكرى الـ 11 على حرب أبخازيا يعود لذاكرتنا مجددًا لنعرف قصة الشعلة التي لا تنطفئ ونعرف المزيد عن أبطال القوقاز.

جــــورجيــــــــا .. التي لا نعرفها | أبطال القوقاز (4)

مازالت ملهمتي تمــــار تتمنع أن تبوح بأسرارها لي تمنُع الملوك في مجلسهم ودلال الملكات في زينتهم ، جسرها الذي يربط بين منطقة فاكزال “ومنها لتساراتيلي يسارًا أو لشارع العرب يمينًا” وبين ميدان الابطال في تبليسي “ومنه لمناطق سابورتالو الحديثة البناء أو مناطق روستافيللي العتيقة ، عبرته عشرات المرات لعلها تلهمني قصة أو تفضي بضعًامن أسرار مملكتها.

هذه المرة ألقت بي وسط ميدان الابطال Heroes Square بعد منتصف الليل بعدما عم السكون المدينة وخلت من روادها .. فظهر ذلك النصب الشاهق أبهي ،وصارت ألوانه المضيئة الخافتة تجعل شجناً يتسرب إلى نفسك ، وتبدو من هنا التقاطعات التي تشعرك أنك تدور في دائرة مفرغة ،

ميدان الابطال Heroes Square في تبليسي و قصة شعلة النار التي لا تنطفئ 1

ذلك الميدان الشهير المهيب الذي يشبه خلية عصبية تتوسطها نواة بها شعاع ليزر أزرق يخترق عنان السماء .. يوحي قصصًا وبطولات ومآسي آلاف الأرواح التي سكنت روحها المكان .. هل نعرف القصة؟

ميدان الابطال Heroes Square

ميدان الابطال Heroes square في تبليسي

هذا إذن هو النصب التذكاري الذي يتوسط ميدان الابطال Heroes Square الذي شُيد عام 2009 إبان حرب الأيام الخمسة التي خاضتها جورجيا عام 2008 دفاعاً عن إنفصال إقليم أوسيتيا الجنوبية ضد القوات الروسية وإنتهت بهزيمة الجورجيين وخضوع أوسيتيا للحماية الروسية.

لم يعني الجورجيون أن يكون نصبًا لشهداء حرب الأيام الخمسة فقط ، بل ليُكرم كل أولئك الذين لقوا حتفهم دفاعًا عن حدودها في العصر الحديث.

ربما ليكون أكثر ملائمة لمنطقة سابورتالو الحديثة العهد في جورجيا ، وبعيدًا عن تبليسي القديمة والمناطق الأكثر قدمًا في التاريخ وبطولات الشهداء.

من روح هؤلاء الذين استبسلوا في القتال ضد الجيش الأحمر الروسي عام 1921 ، لقادة حركة التمرد ضد الحكم السوفييتي عام 1924 مروراً بجنود جورجيا الذين لفظوا أنفاسهم الأخيرة في معارك أبخازيا بين عامي 1992 و 1993 .

عمارة حديثة وتصميم بديع

ميدان الابطال Heroes square في تبليسي

جاء صديقي في وقته تمامًا بدقة ظابطًا سابقًا في الجيش الجورجي، وهمسة في أذن صديق عمره (يبدو مسؤولا في هذا المكان ) كانت كافية بالسماح لمغترب عربي مثلي للاقتراب أكثر فأكثر ، بل ودخول نصب ميدان الابطال Heroes Square من الداخل.

ذلك النُصب الذي يبلغ ارتفاعه 51 مترًا في تراكبية من 16 مقطع من الرخام متوالية من القاعدة حتي القمة التي تشع بأضواء من الليزر تصل حتي عنان السماء كأنما تُعين الأرواح الطيبة (لإسم حوالي 4000 جندي منقوشة ألقابهم على قطع الرخام) في رحلتها إلى الأبدية.

 

 

 

ميدان الابطال Heroes square في تبليسي

كأن هذه العمارة الحديثة متمثلة في نُصب ميدان الابطال Heroes Square جاءت لتتناسب مع الحروب المعاصرة التي خاضتها جورجيا لحماية أراضيها.

خلافًا لأسماء الشوارع التي تحمل أسماء شهداء وأبطال القوقاز ، وبينما تتناثر المنحوتات الأقدم لبطولات هنا وهناك في كافة أنحاء جورجيا معبرة عن عصور متوالية من النضال منذ آلاف السنين .. في حروب واحتلالات متتالية جائت جحافل محتليها طامعين في تلك البقعة الخصبة من الأرض.

 

شعلة ميدان الابطال Heroes Square .. نار لا تنطفئ تخليداً للشهداء

بينما على الجانب من مخرج منطقة فاكي يظهر نصب تذكاري وشعلة من النار لا تنطفئ أبدًا ، تعرف بـ تذكار شهداء أبخازيا .. ولها قصة أخرى !

ميدان الابطال Heroes square في تبليسيبين عامي 1992 / 1993 دارت حرب بين القوات المسلحة الجورجية والعناصر الانفصالية المسلحة ( المدعومة من قوات الجيش الروسي) وقعت فيها انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وصلت إلى ذروتها في أعقاب الاستيلاء الأبخازي على سوخومي في 27 سبتمبر 1993، وأعقب ذلك حملة تطهير عرقي ضد السكان المنحدرين من أصل جورجي.

قرابة الـ 20،000 مدني من أصل جورجي وما يقرب من 3،000 مدني من الأبخاز قتلوا، وأصبح أكثر من 250،000 مواطن من أصل جورجي مشردين داخليًا ، و 2،000 شخص يعتبرون في عداد المفقودين.

جورجيا .. رحم أبطال القوقاز

جورجيا .. التي تحيط بها حماية من جبال القوقاز الشاهقة شمالًا وشرقًا ، وتحميها سواحل البحر الأسود غربًا ، وتجعل أراضيها التي تسمي بـ ” طريق الحرير Silk Road ” معبرًا بين أوروبا وآسيا ، وهمزة وصل بين حضارات الشرق الأقصى الصينية والفارسية والهندية وحضارات الغرب الرومانية واليونانية وحضارات الشرق الأدنى العربية.

بينما هي تحتفظ لنفسها على مدار العصور بلمحة تراث قوقازية فريدة و لغة متفردة استطاعت أن تحميها على مر العصور لتصل بها للقرن الواحد والعشرين بأمان .. فريدة .. وحيدة لا يقرأها ولا يكتبها ولا ينطقها سوي أبناءها ..

أبطــــــــــــــــــــال القوقـــــــــــــــــاز


ربما الآن قد نستطيع أن نتفهم لماذا كان يبدو الجورجيون أكثر إنفعالًا من حدث كواقعة البرلمان الجورجي في الـ 20 من يونيو الماضي. [ماذا حدث في تبليسي أمس أمام البرلمان الجورجي ؟ ]

لماذا كان الجورجيين أقل إهتمامًا بكأس العالم التي دارت فعالياته في مثل هذه الأيام من العام الماضي في الجارة المشاغبة روسيا التي يعتبرها الجورجيون تحتل فعلياً خُمس أراضيهم الحرة.

ويمكننا أيضاً إستيعاب ذلك التعنت الزائد تجاه إخواننا السوريون في الآونة الأخيرة بعد معاونة نظامهم الحاكم الموالي لروسيا على الإعتراف الدولي بانفصال أوسيتيا وأبخازيا التي كلما مر الجورجيون عبر ميدان الأبطال سيتذكرون أن كل تلك الأرواح أُزهقت .. ومازالت أوسيتيا وأبخازيا .. تحت الوصاية الروسية.

إنتهت إلى هنا قصة ميدان الابطال Heroes Square ، و قصة شعلة النار التي لا تنطفئ أبدًا.

ولا تنتهي حكاياتنا عن الساحرة جورجيا التي لا نعرفها

في الغد قصة أخرى .. وللغد شمس جديدة

بقلم | رئيس التحرير

زر الذهاب إلى الأعلى