تاريخ الشرطة في جورجيا.. من بؤرة فساد سوفيتية إلى ذروة مهنية أوروبية
الشرطة في جورجيا، حققت قفزة محورية كبيرة خلال السنوات التي تلت ثورة الورود عام 2003، والتي قضت على ما تبقى من جورجيا السوفيتية المضمحلة في فقر وفساد، نحو جورجيا حديثة أوروبية نالت مكانة تستحقها بين دول أوروبا الشرقية والقوقاز.
بفصل الإصلاحات الجذرية، أعقاب الثورة، و التي أعادت تشكيل قطاعات مختلفة، وفي مقدمتها جهاز الأمن والشرطة التابع لوزارة الشؤون الداخلية، وباتت اليوم واحدة من أكثر دول العالم أماناً وشفافية ونزاهة بفضل الإصلاحات الجوهرية التي شهدتها أقسام وزارة الشؤون الداخلية في جورجيا.
الشرطة في جورجيا.. خلفية تاريخية
تشكلت وزارة الشؤون الداخلية في جورجيا بعد أن أعلنت جورجيا استقلالها في 26 مايو 1918، خلال اجتماع المجلس الوطني لجورجيا ، في خضم الحرب الأهلية الروسية، وبعد مرور 3 سنوات ألغيت الوزارة وأنشئت مفوضية الشعب الجورجية للشؤون السوفياتية الاشتراكية، وذلك بعدما أطاح البلاشفة الجورجيون بحكومة المناشفة عام 1921.
في 8 أغسطس 1941 ، بموجب مرسوم من رئاسة المجلس الأعلى لجمهورية جورجيا الاشتراكية السوفيتية، اندمجت مفوضية الشؤون الداخلية الشعبية في جمهورية جورجيا الاشتراكية السوفيتية والمفوضية العامة لأمن الدولة في جمهورية جورجيا الاشتراكية السوفيتية، وسمي هذا الكيان فيما بعد وزارة الشؤون الداخلية.
وعلى مدار عقود طويلة ظلّت دوائر وزارة الشؤون الداخلية تعاني من مشاكل جمة وسط الاضطرابات السياسية والعسكرية التي عاشتها البلاد حتى بعد أن استعادت استقلالها في 26 مايو عام 1991، الأمر الذي انعكس على جهاز الشرطة في جورجيا، حيث يستفحل الفساد بين عناصره وضباطه، وأصبح “الشعب يخدم الشرطة” وليس العكس.
ثورة الزهور.. نقطة التحوّل
شهد جهاز الشرطة في جورجيا حملة تطهير وإصلاحات جذرية بعد اندلاع ثورة الزهور في نوفمبر عام 2003، وكانت من أهم العقبات التي واجهت نظام الثورة هي كيفية التعامل مع جهاز الشرطة، لكونه الجهاز الأكثر فسادًا في جورجيا، فهو قائم على الرشى والابتزاز والتورط في أعمال مخالفة للقانون مع عصابات المافيا؛ مما جعل من الصعب إجراء عمليات إعادة تأهيل ودمج أعضاء الجهاز في العمل وفقًا لمبادئ الثورة مرة أخرى، فلجأ النظام إلى حزمة من الإجراءات التطهيرية للجهاز.
إيكا.. أصغر نائب وزير داخلية في جورجيا
هذه الحزمة قادتها الشابة العشرينية إيكاترينا زولادزه، نائبة وزير داخلية جورجيا، عندما اتخذت قرارا جريئا بفصل 18 ألف شرطي دفعة واحدة في بلد لم يصل عدد سكانه 4 ملايين نسمة، ورغم المخاوف والتحذيرات الأمنية لمثل هكذا قرار إلا أنه شكل نقطة تحول لجهاز الشرطة في جورجيا، نحو الديمقراطية والشفافية والنزاهة، بعد أن كان الفساد مستشري في معظم مفاصله على مدار سنوات طويلة.
ونجحت “إيكا” إلى حد كبير فى إنشاء جهاز أمن عصرى يلغى معادلة أن الأمن يساوى القمع، وأن الحرية تعنى الفوضى. إذا رأيت على الطريق السريع بين المطار والعاصمة الچورچية تبليسى، مبنى زجاجي ضخم، تحيط به الحدائق، فلا تظنه، داراً للأوبرا، أو معرضاً للفن، بل هذا هو المبنى الرئيسي لوزارة الداخلية الچورچية
استدعى القرار المفاجئ الذي اتخذته وزارة الداخلية اتخاذ إجراءات حاسمة لسد ثغرة فصل 18 ألف شرطي من إدارة المرور، واستبداله بجهاز جديد أطلق عليه اسم “شرطة الدورية“، وانطلقت عملية إصلاح أكاديمية الشرطة الچورچية، وقامت الوزارة بالإعلان عن وظائف شاغرة وتقدم آلاف المدنيين الذين خضعوا لاختبارات بدنية ونفسية ومعرفية ومقابلات شخصية لاختيار المؤهلين منهم، والأنسب لرؤية وأهداف الحكومة الجديدة،
وكانت عملية التعيين تتم على التوازي، بإصلاح مناهج أكاديمية الشرطة، إلى جانب تغيير الزي الرسمي للشرطة، حيث ارتبط الزي القديم في عقول المواطنين بعقود الفساد والقمع.
التغييرات لمسها الجورجيون منذ اللحظات الأولى لبدء شرطة الدورية مهامها في الشوارع بشكل جديد مختلف كليا من الداخل والخارج عن النظام السائد قبل الثورة، والذي كان يحتم على عناصر الشرطة في جورجيا، ألا يكونوا تورطوا في قضايا فساد كبرى أو روتينية، واليوم يحظى عناصر الشرطة بثقة واحترام الشارع الذي بات نظيفا من أشكال الفساد.
لم تقتصر الخطة الإصلاحية على عمليات التطهير الفوري لأعضاء جهاز المرور فقط، إنما لجأت أيضًا إلى إعادة الترتيب الداخلي للجهاز، فتم دمج عدد من الهيئات والوزارات مع وزارة الداخلية لتصبح جهازًا واحدًا. حيث تم دمج وزارة الأمن وحرس الحدود وحماية المنشآت والحماية المدنية والمباحث إلى وزارة الداخلية، وتم فصل كلّ من إدارة السجون لتصبح جزءًا من وزارة المساعدة القانونية والإصلاح، وشرطة البيئة لتتبع وزارة البيئة، ومباحث الأموال العامة لتتبع وزارة المالية، وخلال وقت قصير اكتسبت تلك الخطة الإصلاحية رضا الشعب.
أيضا عمدت الوزارة إلى تغيير صورة الشرطة أمام المواطنين من خلال إعداد حملات إعلامية لتُعلن للمواطنين أهداف الجهاز الجديدة ومهامه، وتغيير أشكال مباني الشرطة في جورجيا لتصبح زجاجية موحدة الشكل لتعتمد الشفافية منهجًا من حيث الشكل والمضمون.
جهاز الشرطة في جورجيا.. الآن
شرطة الدوريات
تتمثل الأنشطة الرئيسية لإدارة شرطة الدوريات في توفير الأمن العام والحماية القانونية للمواطنين، ومنع الجريمة لضمان بيئة سليمة وآمنة، وشهدت شرطة الدوريات مرحلة جديدة من الإصلاح عام 2018، وباتت تقوم بمهامها بفاعلية وجودة عاليتين، في ظل وجود اتصال دائم مع الجمهور لتحديد مشاكلهم واحتياجاتهم واتخاذ الإجراءات المناسبة.
مركز الطوارئ
من أجل إنشاء نظام فعال لإدارة الطوارئ، تم إنشاء رقم الطوارئ 112 الموحد عام 2012 ، الذي يتلقى مكالمات الطوارئ على مدار 24 ساعة من مختلف أنحاء جورجيا وينقلها على الفور إلى الخدمات ذات الصلة، سواء كانت الشرطة أو خدمات الإطفاء والإنقاذ والطوارئ.
منذ عام 2015، يوفر المركز خدمة الرسائل النصية القصيرة والمكالمات المرئية للصم وضعاف السمع في كامل جورجيا، على مدار 24 ساعة في اليوم.
شاهد | تقنية عمل مركز الطوارئ 112 مع المواطنين من ذوي الاحتياجات الخاصة:
الأماكن السياحية أكثر أمانا
أنشأت شرطة الدوريات التابعة لوزارة الشؤون الداخلية في مايو / أيار 2018 ، فرقة مشاة تعمل في المناطق السياحية والترفيهية، وكان الهدف من تأسيس هذا القسم الفرعي هو تأمين السياح والسكان المحليين مع زيادة تدفق السياح إلى جورجيا، وتخضع فرقة المشاة لدورة تدريبية خاصة في أكاديمية وزارة الداخلية، تشمل تعزيز مهارات التواصل لديهم وكلهم يتقنون لغة أجنبية واحدة على الأقل.
أكاديمية الشرطة في جورجيا
يعود تأسيس أكاديمية الشرطة أو أكاديمية وزارة الشؤون الداخلية إلى عام 1925، وبدأت كمدرسة ثانوية في العاصمة تبليسي عندما كانت جورجيا إحدى الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية، وكانت تقدم لطلابها دورات تدريبية لتأهيلهم للخدمة في جهاز الشرطة، وفي عام 1978 أصبحت المدرسة تمنح خريجيها رتبا خاصة ودرجة “متخصص في الدراسات القانونية”.
تحوّلت المدرسة إلى أكاديمية وزارة الشؤون الداخلية بعد استعادة الاستقلال، بموجب قرار مجلس وزراء الجمهورية عام 1994، وشهدت المدرسة عام 2004 إصلاحات كبيرة شملت نظامها التعليمي ومرافقها، واليوم هي صرح كبير مجهز بأحدث التقنيات لتأهيل رجال الشرطة في جورجيا بأفضل مستوى حتى يكونوا جاهزين تماما للانخراط بالعمل لدى إحدى دوائر وزارة الشؤون الداخلية.
تابع تقرير حصري عن ثورة الورود السلمية في جورجيا:
ثورة الورود .. و16 عاما من جورجيا السوفيتية نحو جورجيا الأوروبية
المصدر: هلا جورجيا - وزارة الداخلية - ويكيبيديا