واقع الاسلام في جورجيا بعد 14 قرنا في بلاد القوقاز
الاسلام في جورجيا متأصل منذ القرن السابع الميلادي، عندما فتحها القائد المسلم حبيب بن مسلمة الفهري في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان، ومنذ ذلك الحين بدأ السكان المحليون الذين يعتنقون المسيحية بالتعرف على الاسلام، وزادت علاقاتهم مع المسلمين مع توسع الدولة السلجوقية، وضم السلطان ألب أرسلان جورجيا إلى دولته في القرن الحادي عشر.
وعندما بسط الملك دافيد الرابع “دافيد أغماشنبيلي” سيطرته على جورجيا عام 1122، وطرد السلاجقة منها، ظل سكان جورجيا المسلمون يعيشون بسلام تحت حكم الملك المسيحي المتدين الذي منح المسلمين بعض الامتيازات في النظام الضريبي، وحظر ذبح الخنازير في الأحياء المسلمة، ومنع دخول الأرمن واليهود إلى الحمام الاسلامي؛ احتراما لتعاليم الاسلام في جورجيا ومعتنقينه.
الاسلام في جورجيا خلال الحقبة السوفييتية
ظلت جورجيا جمهورية في الاتحاد السوفيتي خلال الفترة ما بين عامي 1922 – 1991، ويمكن القول أن تلك العقود السبعة كانت الأصعب على بقاء الاسلام في جورجيا على مر التاريخ، وانطلاقا من مزاعم الشيوعية أن ” الدين أفيون الشعوب ” كان المسلمون في جورجيا هدفا مباحا لحملات التطهير والتهجير القسري والتشويه، كما هو الحال بالنسبة لمعتنقي الديانات الأخرى.
خلال تلك الحقبة حُظر على المسلمين في جورجيا ممارسة شعائرهم الدينية، وتعرضوا لمحاولات الطمس والتشويه الممنهجة، وهدمت مساجدهم التاريخية أهمها المسجد الأزرق “مسجد سوميت” في تبليسي، ومسجد العزيزي في باتومي، واضطر المسلمون في جورجيا والجمهوريات الاتحادية الأخرى إلى الهجرة للبلدان الاسلامية المجاورة.
بينما تمت إزالة العديد من مقابرهم بحجة توسعة حديقة النباتات الوطنية الحالية في تبليسي، والكامنة خلف قلعة ناريكالا الأثرية. في ذلك المكان حيث أكتشف فريق عمل هلا جورجيا نقوشا وكتابات عربية على أحد الأحجار الغامضة في الحديقة.
شاهد | قصة الحجر الغامض في تبليسي.. من إنتاج هلاTV:
واقع الاسلام في جورجيا اليوم
يوجد في جورجيا اليوم نحو 450 ألف مسلم من أصول جورجية وأذرية وتترية وتركية وغيرها، وتشكل نسبة المسلمين في جورجيا 10 % من عدد سكان جورجيا، وهم أكبر أقلية دينية في البلاد، ويعيش المسلمون جنبا إلى جنب مع المسيحيين الذين يشكلون أكثر من 80 % من سكان البلاد، وهناك العديد من المناطق في جورجيا ذات أغلبية مسلمة، ويتركز المسلمون السنة في أدجارا – باتومي، غربي جورجيا، فيما ينتشر المسلمون الشيعة شرقي جورجيا، ويعد وادي بانكيسي في كاخيتي أكبر تجمع للمسلمين شرقي البلاد.
يمثل المسلمون في جورجيا جهة رسمية يطلق عليها “ادارة مسلمي جورجيا “، مهمتها إدارة وتنظيم شؤون المسلمين في جورجيا، ويقع على عاتقها أيضا تنسيق سفر الحجاج الجورجيين البالغة حصتهم 500 حاج في كل موسم.
هناك إدارات فرعية تابعة لإدارة مسلمي جورجيا، في أقاليم جورجيا المختلفة، أهمها إدارة تبليسي برئاسة مفتي السنة في جورجيا الشرقية، الشيخ يس علييف، وإدارة إقليم إدجارا برئاسة مفتي السنة في جورجيا الغربية، الشيخ آدم شانتادزه، فيما يشغل الشيخ رامين موردوف منصب مفتي الشيعة في عموم جورجيا.
ويؤدي المسلمون في جورجيا صلواتهم الخمس بحرية في جميع المساجد في عموم جورجيا، ويتلقى أبناؤهم العلوم الاسلامية وتعاليم الدين الاسلامي في مدارس خاصة بهم، وأشهر تلك المساجد، مسجد الجمعة في تبليسي، ومسجد أصلان بك في باتومي.
مسجد الجمعة .. ملتقى المسلمين السنة والشيعة
ظل مسجد الجمعة حتى وقت قريب المسجد الوحيد في تبليسي القديمة بعد هدم 4 مساجد إبان عهد الاتحاد السوفيتي، وبني المسجد خلال الفترة ما بين عامي 1723 – 1735، وتعرض المسجد للهدم على يد الفرس في منتضف القرن الثامن عشر، وأعيد بناء المسجد على يد المهندس المعماري الإيطالي جوفاني سكودييري، وفي عام 1899 تعرض المسجد للهدم، وبعد نحو عشر سنوات أعيد بناؤه على الطراز الآسيوي.
ويعد مسجد الجمعة من أغرب المساجد على الإطلاق من حيث إقامة الشعائر، فهو مقسوم إلى نصفين جانب أيمن وجانب أيسر رغم مساحته المتواضعة، والقبلة بها محرابان إحداهما إلى اليمين والأخر إلى اليسار، ويعود ذلك إلى إقامة الشعائر لكل من السنة والشيعة بنفس المسجد؛ نظراً لتضييق الخناق على المسلمين في إنشاء المساجد، وهو الأمر الذي أدى بهم إلى تقسيمه لنصفين ويكون النصف الأيسر للمصلين السنة والنصف الأيمن للمصلين لشيعة، ويدخل كل منهم من بابه وإلى محاربه عند إقامة الصلاة.
شاهد | رئيسة جورجيا في عيد الفطر 2019 بمسجد الجمعة – تبليسي:
مسجد أصلان بك في باتومي
يعد مسجد أصلان بك “أورتا جامي” أحد أقدم المساجد في جورجيا، وهو المسجد الوحيد في باتومي الشاهد على تاريخ الاسلام في جورجيا، باتومي المدينة التي يقطنها عشرات الآلاف من المسلمين، ويعود بناء المسجد إلى عام 1886، وسمي بهذا الاسم نسبة إلى مؤسسه التركي أصلان بك، وكان المسجد واحدا من بين 3 مساجد في باتومي إلا أنه تم تدمير المسجدين خلال الحقبة السوفييتية، ليظل مسجد أصلان بك الشاهد الوحيد على الوجود الإسلامي في المدينة.
شاهد | صلاة عيد الأضحى 2019 ولقاء رئيس حكومة أدجارا – باتومي.. من إنتاج هلا TV:
لا تقتصر وظيفة المساجد في جورجيا على الصلاة فقط، بل تعد منصة ثقافية واجتماعية يقصدها مسلمو جورجيا في الأعياد والمناسبات المختلفة، كما تمثل ملتقى للحوار الاسلامي – المسيحي لمواجهة خطر الصراعات والتطرف والانغلاق.
على الرغم من أن جورجيا لم تقع طويلاً تحت الحكم الاسلامي، ويمثل المسلمون أقلية دينية فيها، إلا أن الاسلام في جورجيا باقية آثاره في فن العمارة الاسلامية الذي لا يزال ماثلا في مساجدها و مدارسها الدينية، ويحتفظ المسلمون بتقاليد ثقافية واجتماعية تحث عليها الشريعة الاسلامية، وتُرجم القرآن إلى اللغة الجورجية مرتين الأولى من اللغة الفرنسية على يد بيتري مريانشفيلي عام 1906 م ، والثانية من اللغة العربية على يد جيورجي لوبجانيدزه عام 2006 م.
شاهد | المدرسة السليمانية في تبليسي.. من إنتاج هلا TV:
المصدر : هلا جورجيا - ويكيبيديا - المكتبة الوطنية البرلمانية