جورجيا التي لا نعرفها .. (1) شوتا روستافيلي
أديب عظيم .. ورائد نهضة العصر الذهبي .. وكاهن مجهول في أورشليم
جورجيا.. ســـــاحرة لم يسلم من سحرها أحدا
من منا يقطن بجادة روستافيلي ، أو مرجانشفيلي؟ من لم يمر بشارع بكيني أو أغماشنبيلي؟ من لم يعبر جسر الملكة تمار أو يقف أمام تمثال جورجاسيلي؟ من لم يذهب لبحيرة السلاحف أو يصعد لقلعة ناريكالا؟
أعتقد أننا جميعاً فعلنا ذلك يوماً ما من أيام وليالي قضيناها في تبليسي زائرين أو مقيمين راغبين في رشف المزيد من المزيج السحري الذي تحمله المدينة لغربائها وأبنائها، كيف لا تعشق مدينة شعارها (Tbilisi Loves you)!
حين وصلت تبليسي للمرة الأولي منذ سنوات، غمرني ذلك الشغف لمعرفة كل شيء.
صرت أبحث وراء كل اسم وكل منحوت في الشوارع وكل خبر في صفحات الإنترنت. ولم يشبع شغفي يوماً.. ولم تروي ظمئي قطرات من الأسرار.
وصرت يوماً تلو يوم.. أهيم كالمجذوب وراء قصة تمثال صغير صنعه فنان للتاريخ ومات، قصة ملك خاض غمار حروب وصنع أمجاد واندثر، وراء كنيسة قديمة متهالكة الجدران لا يعفيها من قسوة الطقس سوي تشابك أغصان شجرة عجوز فرضت عليها الحماية منذ عقود.
اشبعوا شغفكم معي بالمدينة السحرية.. صححوا لي معلوماتي فأنا لست مؤرخاً ولا عالماً بالتاريخ.
روستافيلي .. مقصد العرب والسائحين
شوتا روستافيلي .. الشارع الأشهر في العاصمة تبليسي.. مقصد السائحين من مختلف الأقطار، ستعرف للوهلة الأولي أن هذا الكم من الأهمية لم يمنح لشارع واحد من فراغ.
مبنى البرلمان الجورجي.. ثلاث مسارح.. مبني الماريوت الأثري.. متاحف عديدة، ومحطة مترو تحمل نفس الاسم.. و يتوسطها تمثال مهيب، ستلحظ بمجرد النظر له أنه ليس لمحارب ولا فاتح ولا يحمل أبهة الملوك.. فقط لرجل من أواسط القرون الماضية تبدو عليه أبهة العلماء أو الأدباء.
كيف لا وهو ” شوتا روستافيلي ” أعظم رموز الأدب الجورجي في القرون الوسطى، ولد وعاش في القرن الثاني عشر الميلادي، وتسمية روستافيللي ترجع لقرية مولده روستافي “.. إحدى قرى إقليم سامتسخي 30 كيلومتر جنوبي غرب برجومي”، حيث يخلط الكثيرين بينها وبين روستافي الحالية على أطراف تبليسي الجنوبية “.
نبوغ روستافيلي بالأدب بدأ منذ نعومة أظافره، ولقربه من البلاط الملكي في عهد الملك جورج الثالث حفيد (دافيد أغماشنبيلي أو دافيد المؤسس كما يسمونه) افتتن بأميرة البلاط الملكي ووريثة عرشه، وفي عهد الملكة تمارا ترقي شوتا حتى أصبح وزير ماليتها في سن الخامسة والعشرين فقط، العصر الذهبي للنهضة في حكم تمار كان على يد شــوتا.
روستافيلي أعظم أدباء الملاحم
ملحمة ” الفارس ذو جلد النمر ” أو ” فيخيستكاوساني” كما تعرف باللغة الجورجية.. هي أشهر القصائد الملحمية عالميًا التي لا تحكي خرافات الأساطير ولا أبطالها خارقون، تحفة من ملحمة شعرية.. كتبها متغزلا في ملكته ومعشوقته الملكة تمار، حباً مستحيلا من رجل ليس من الدماء الملكية لملكته تجعله يخفي عشقه بين سطور الشعر إجلالاً لمعشوقته. طبعت للمرة الأولى في أوائل القرن الثامن عشر 1712.
لا يعرف أحدًا بالتحديد متى غادر شوتا جورجيا قاصداً القدس حيث قضى أواخر أيامه وتوفي ودفن هناك بدير الصليب المقدس بفلسطين عام 1216، كل ما نعرفه تلك الجدارية في الركن الجنوبي الغربي للدير التي تحمل صورته ويرافقها نقش باللغة الجورجية.
في الحقبة السوفييتية تم تسمية جادة روستافيلي باسمه، وكذلك المسرح الشهير بشارع روستافيلي، وتم نحت التمثال الشهير الذي يقبع شامخاً أمام مدخل محطة مترو روستافيلي،
ويكفيه تخليداً أن أشهر الجوائز الأدبية والفنية في جمهورية جورجيا الآن تحمل اسم.. شـــــــوتا روستـــــــــافيلي.
أما تلك الملكة العظيمة، التي أسست لنهضة جلية للعيان في ربوع مملكة جورجيا والتي غامرت بوضع ميزانية بلادها في يد أديب شاب لم يكن يبلغ الخامسة والعشرين آنذاك.. فلها قصة أخرى..
وللعشق أحكام في كثير من الأحيان … وللغد.. شمس يوم جديد
-
طابع بريد من الحقبة السوفيتية تكريمًل لـ روستافيلي -
صورة زيتية للفنان بيروزماني تظهر روستافيلي والملكة تمارا -
صورة أقرب لتمثال روستافيلي في تبليسي -
تمثال آخر بمدخل المتحف لشوتا روستافيلي