حلاوة زمان (8) .. الست أصيلة و بركة الفيل | سلسلة رمضان زمان

حلاوة زمان سلسلة حصرية تأخذنا في حنين لذكريات أيام زمان، يكتبها لنا في رمضان هذا العام المهندس المصري عاشق الأدب والتراث “صلاح أبو الليل” وحلقة اليوم عن “بركة الفيل”

حلاوة زمان – 8 – بركة الفيل

من حبي فيك يا جاري .. يا جاري من زمان
بخبي الشوق وأداري .. ليعرفوا الجيران

أغنية ” من حبي فيك يا جاري ” بتاعت حورية حسن … دايما بتفكرني بقصة الست أصيلة … و ده مش اسمها الحقيقي بس ده اسم أنا اطلقته عليها لأنها من مواليد أوائل القرن الماضي .. لو كانت عايشه كان زمانها تخطت المائة عام … قابلتها من عشر سنين و كانت في أوائل التسعينيات من عمرها … سيدة من سيدات مصر … حفرت الخبرة تجاعيد وشها البشوش … و اكسبها الزمن خبرة و رونق و جمال

هي جدة أصدقاء لي .. و طبعا غير مسموح لي بمعرفة اسمها … فكنت أناديها ” الحاجة ” .. و أحيانا ” تيته ” … تسكن هي و ابنتها – أخر العنقود – شقة بسيطة من زمن الستينيات من القرن السابق أي بعد عهد الملكية وأثناء أيام حكم عبد الناصر .

بيت تكثر فيه الشبابيك و به بلكونة كبيرة هي ملاذ الجميع في أيام الصيف الحارة … البيت من الداخل عبارة عن صالة كبيرة و تفتح عليها غرف الشقة كلها … مطبخ كبير و واسع و به مكان تخزين كبير و شباك كبير يطل علي حديقة الحوض المرصود .. الحديقة التي ازدادت شهرتها عندما حصل المعماري الكبير “عبد الحليم إبراهيم” علي جائزة الاغاخان عن مبناه الشهير في وسطها .. و الذي يخدم أهل منطقة السيدة زينب.

حديقة الحوض المرصود تقع أمام مستشفى الأمراض الجلدية الشهيرة جداً و التي تحمل نفس الاسم … مستشفى الحوض المرصود … و التي اشتهرت قديما بانها المكان المخصص لإصدار الشهادات الصحية التي تفيد بإمكانية (مزاولة مهنة الدعارة) .. و التي كانت مشروعة حتي منتصف القرن الماضي ..

من سطح منزلها تستطيع أن تري اقدم مسجد بمصر .. المسجد العتيق -مسجد احمد بن طولون- من اضخم مساجد مصر .. حكت لي الست أصيلة عن طفولتها و مراسم العيد أمام المسجد العتيق و المراجيح و البلالين و اللهو البسيط البريء الذي كان يسعد الأطفال وقتها .. في زمن ما قبل البلاي ستيشن.

بالقرب من منزلها يوجد ميدان بركة الفيل … و قد حكت لي الحاجه أصيلة عن أن بيت عائلتها كان بالقرب من الميدان .. و الذي شهدت هي في طفولتها أخر أيام البركة الشهيرة و التي تم ردمها لعمل الميدان و توسعة الشارع …

و يرجع اسم البركة .. و التي كانت هي عبارة عن منخفض كبير يحتجز الماء في فترة فيضان النيل .. عندما يعلو منسوب النيل في احد فروعه القريبة من البركة فرع الخليج المصري و الذي هو شارع بورسعيد حاليا .. و تظل المياه في هذا المنخفض و يقل منسوب المياه تدريجيا .. حتي يأتي الفيضان في العام القادم و يملا البركة من جديد.

القاهرة كلها كانت عبارة عن برك و انهار و مجاري مائية .. و لكن هذه البركة جاء اسمها من ” فيل ” كان قد جلبه خمارويه .. ابن احمد بن طولون .. معه من رحلة صيد .. و قد بني له بيتا أمام البركة و كان الفيل يخرج كل يوم للسباحة في البِركة و اللعب في الماء .. و كانوا الأطفال يسعدون بتلك اللحظات و يشاركون الفيل المرح و اللعب .. و من هنا عرفت البِركة … بـ ” بركة الفيل ” …. و كأنها أول حديقة حيوان مفتوحة في مصر

من ناحية بركة الفيل “الحوض المرصود حاليا” تقدر تخش بسهولة ناحية حارة السقايين، ودي مش بس ليها حكاية من حكايات حلاوة زمان .. دي حكاية قرنين من الزمن في مصر ومهنة اندثرت تماما مفضلش منها غير اسمها، وشوية صور

نشوفها في حلقة تانية : رمضان 2020 | رمضان زمان | الحلقة (3) .. حارة السقايين و حكاية مكان

المصدر : هلا جورجيا - ويكيبيديا