جورجيا التي لا نعرفها

جورجيا التي لا نعرفها .. (3) تمار – حتشبسوت .. و تناسخ الأرواح

عمود فقري واحد لأول امرأتين ملوك .. وقصة عشق خفي في مصر و جورجيا

ماذا يربط تمار ملكة جورجيا الأيبيرية و حتشبسوت ملكة مصر الفرعونية ؟

هل صادفك، مثلما صادفنا جميعاً أن مر بك موقف ما وشعرت أنك مررت بنفس الحدث بكافة تفاصيله من قبل؟ حتي أنك تشعر لجزء من الثانية أنك تعلم جملة الحوار القادمة أو الصورة التالية في مخيلتك؟ .. هل تؤمن بتناسخ الأرواح؟! ..  أنا أيضا لدي شك في ذلك أحيانًا !!

لكن هل صادفت من قبل حياة إنسان تكررت بكاملها منذ الميلاد للممات مشابهة لحياة إنسان آخر .. في حقبة أخرى وزمن آخر وأرض أخرى !!!!

جورجيا التي لا نعرفها .. (3) تمار - حتشبسوت .. و تناسخ الأرواح 1

الملكة تمار .. تبوح بسر

أخيرًا انهارت أمامي فجأة بعد تمنع دام أشهر طويلة .. أيام وليالي وأنا الهث ورائها كالمجذوب .. وجهها يبدو مألوفاً لي .. كنت اتيقن أنها هي وحدها تملك مفتاح سر التاريخ ، وصولجان الماضي المسحور.

على غفلة من أمري، وفي غياب من عقلي المشغول بتدبير أمور حياتي، و جسدي المنهك القُوي من عملي اليومي المُلقي على سرير في جو ملأته رطوبة ليلة أمس .. رأيتها أمامي .. كانت تغازله .. أو ربما تستشيره ، نعم كانت حتشبسوت بكامل أُبهتها وزيها الملكي الفرعوني المميز تغازل “شوتا روستافيللي ” غزلاً صامتاً بينما كان يلقي على مسامعها ملحمته الشعرية “الفارس ذو جلد النمر” !!!

بينما كانت “تمار على غير مبعدة منها تجلس على عرشها الملكي بقصرها في تبليسي مستمعة بإنصات وانبهار للفرعون المهندس “سننموت”  وهو يعرض عليها تحفة العمارة الفرعونية لمعبد الدير البحري !!!

مصر .. و جورجيا – عمود فقري واحد

ربما كمصري الميلاد .. ولدت وعشت طفولتي وشبابي ورجولتي ونضجي ودماء الفراعنة تسري في عروقي ، علمت منذ الصغر كيف كانت مصر قديماً ومعاصراً وحديثاً تخرج من مقاومة لمقاومة ومن إحتلال لإحتلال .. عرفت أن الأمر لم يكن بالهين ولا باليسير من الهكسوس والفرس والإغريق للرومان والعرب والعلويون.

حتي حين ظننا مؤخرًا أن الأمر بيدنا تعلمنا شيئًا فشيئًا أن خيوط العنكبوت التي تحرك الدمى ليست بهذا الوهن ، إنما فقط كنا نحن .. بهذه السذاجة.

لا زلت لا أعلم يقينًا لماذا أشعر دائمًا هنا بالأُلفة .. أُلفة تشعرك كأن التاريخ في بلادنا وفي جورجيا كان يسير بتواز عجيب على مر الزمان كخطوط السكة الحديدية قضيبان متوازيان لا يفترقان ولا يقتربان.

الملكة حتشبسوت تقدم القرابين للإله حورس في معبد الدير البحري الأقصر مصر
الملكة حتشبسوت تقدم القرابين للإله حورس في معبد الدير البحري الأقصر مصر

تمار – حتشبسوت .. أول امرأة ملك

هل يعيد التاريخ نفسه بعد 650 عاماً لينتقل من مصر الفرعونية لجبال القوقاز ؟

هل ظلت روح حتشبسوت حبيسة تابوتها الذهبي قرابة السبع قرون لتعبر الزمان والمكان وتقفز في جسد تمار طفلة جورج الثالث ملك جورجيا الموحدة ؟

هل تناسخت روح حتشبسوت .. أجمل ملكات مصر الفرعونية ، وأول امرأة تحكم مصر حكماً مطلقاً بلقب (ملك)لمدة اثنين وعشرين عام تمامًأ مثلما حكمت تمار حكمًا مطلقًا بعد وفاة أبيها، ولقبت (الملك تمار) ؟

هل تلبست “رجال الكنيسة الأورثوذكسية الجورجية وأمراء البلاط الملكي” أرواح كهنة آمون أيضًا، ليصارعوا تمار على الحكم رافضين حكم إمرأة لعرش الكنيسة ، مثلما صارع كهنة الكرنك حتشبسوت رافضين حكم امرأة لعرش آمون؟

هل من قبيل الصدفة أن تكون حتشبسوت (المولودة عام 1508 قبل الميلاد كحفيدة للملك العظيم ” أحمس” طارد الغزاة وموحد مصر الفرعونية) ، هي ذاتها تمار ( المولودة عام 1160 بعد الميلاد كحفيدة للملك العظيم “دافيد أغماشنابيلي – دافيد الموسس” موحد جورجيا ) ؟!!!

الملكة تمار حفيدة أغماشنبيلي ، أول امرأة ملك
الملكة تمار حفيدة أغماشنبيلي ، أول امرأة ملك

تمار – حتشبسوت .. والعشق الخفي

هل نتذكر الآن مقالنا الثاني عن الأديب “شوتا روستافيللي عاشق الملكة تمار و ساعدها الأيمن لنهضة العصر الذهبي لجورجيا ووزير ماليتها ؟

أليس يذكرنا بالمعماري الفرعوني العظيم “سننموت” عشيق الملكة حتشبسوت وعضدها لنهضة ورخاء عهد حتشبسوت ووزير ماليتها أيضا ؟!!

ومثلما صمم “سننموت” أعظم معبد جنائزي فرعوني إرضاءًا لمحبوبته “معبد الدير البحري بالأقصر” .. فقد  أباح “شوتا” عن عشقه في أعظم أدبيات الملاحم “الفارس ذو جلد النمر

لن نعجب إذا إن كانت نهاية “شوتا” غامضة معزولا وحيداً في أورشليم ، تماماً مثلما كانت نهاية “سننموت” مجرداً من كل ألقابه شريداً حتي مقبرته خلت من مومياته.

شوتا روستافيلي - سننموت عشق واحد ومصير متشابه
شوتا روستافيلي – سننموت عشق واحد ومصير متشابه

تمار – حتشبسوت والنهضة

وكما أسست تمار لنهضة جورجيا الحديثة أدبيًا وفنيًا وإقتصاديًا ، وفتحت الباب للثقافة والعلوم حتي صار طلاب العلم والآداب يقصدون تبليسي وصارت من حينها معبر التجارة بين الصين والهند وفارس إلى أوروبا محملة بالتوابل والبهار والكشمير والحرير حتي أُطلق على أراضي جورجيا ” طريق الحرير Silk Road

تماماً مثلما فعلت قرينتها الروحية حتشبسوت قبل 7 قرون من الزمان بأرض طيبة الفرعونية فنشطت العلوم والفلك وازدهرت الرحلات التجارية حتي بلغت أعالي النيل وبلاد بُنط وساحل الأطلسي وساد رخاء بلاد طيبة الفرعونية.

 

خلافاً لحاجبين معقودين .. وأنف أصغر .. وبشرة أكثر بياضًا تلتبس على روحي،  ملهمتي تمار .. ومعشوقتي حتشبسوت.

وما بين صوت رياح الصحاري في بلادي .. وحفيف الشجر في تبليسي ، ياخدني خيالي فأفكر ، تُري ..أتناسخ الأرواح حقيقة؟ ، أم مخيلتي مازالت تلعب دور الخمر بعقلي؟ .. وتمضي بنات أفكاري متشحة بسواد عزاء ذلك الجسد البائس الذي ربما يعاقبه القدر لتتلبسه روحي .. ربما قريبـــــــــــــــــــــــــاً .. أقرب مما أتصور.

وحتى يحين ذلك .. روحي العنيدة لا تزال ترغب في مغامرة أخرى .. طامعةً في مزيداً من الأسرار .. بمزيد من الشغــــــــــــــف.


*ربما تحتاج لمراجعة المقال السابق عن “شــوتا روستافيلي”

للمزيد عن الملك تمار: إضغط هنا

للمزيد عن الملكة حتشبسوت: إضغط هنا

بواسطة
رئيس التحرير:
زر الذهاب إلى الأعلى